مولد النبي عيسى عليه السلام
بدأت قصة النبي عيسى عليه السلام بميلادٍ معجزيٍّ فريد، إذ اصطفى الله مريم بنت عمران لتكون أماً له، وكانت مريم امرأة عفيفة صالحة تقية، خصَّها الله بمعجزات وكرامات. في يومٍ، بينما كانت مريم في محرابها تتعبد، جاءها جبريل عليه السلام في صورة بشر ليبشرها بولادة طفل سيكون آيةً للعالمين. فتعجبت مريم وسألت: “أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا”، فأجابها جبريل: “كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ”.
حملت مريم بالنبي عيسى دون أن يمسسها بشر، واعتزلت قومها خلال فترة حملها، متوجهةً إلى مكان بعيد. وعندما جاء وقت الولادة، شعرت مريم بآلام شديدة واستندت إلى جذع نخلة، فأنزل الله لها رزقًا، إذ سقطت رطبًا جنياً، وجعل تحتها ماءً جارياً لتشرب منه وتستعيد قوتها.
بعد ولادتها لعيسى، عادت مريم إلى قومها وهي تحمله، فاستنكروا ما رأوا وظنوا بها السوء. ولكن الله أعطاها حيلة عظيمة، إذ أمرها بالصمت والإشارة إلى الطفل. فلما أشاروا إليه متسائلين، أنطق الله عيسى عليه السلام وهو في المهد، فقال: “إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا”، فاندهش القوم وهدأت شكوكهم.
دعوة النبي عيسى عليه السلام
كبر عيسى عليه السلام وأرسله الله نبيًا لبني إسرائيل، الذين كانوا قد انحرفوا عن التوحيد وتمادوا في الفساد. أُيّد عيسى بمعجزات عظيمة ليكون دليلًا على نبوته. فقد كان يحيي الموتى، ويشفي المرضى كالأكمه والأبرص، ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرًا بإذن الله، وينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.
كانت رسالة عيسى عليه السلام واضحة: الدعوة إلى توحيد الله وعبادته وحده، واتباع شريعته التي أكمل بها شريعة موسى عليه السلام. دعا بني إسرائيل إلى الإيمان بالله والابتعاد عن الرياء والظلم، ولكن قلةً منهم آمنت به، بينما رفض أغلبهم دعوته بل وتآمروا عليه.
أوصى عيسى أتباعه بالتواضع والمحبة والإحسان، وبيّن لهم أن النجاة ليست في المظاهر الخارجية بل في تقوى القلوب وطاعة الله. كان يدعوهم بأسلوب رحيم يلمس قلوبهم، ولكن الكهنة ورؤساء بني إسرائيل كانوا يرون فيه تهديدًا لسلطتهم.
المؤامرة ومحاولة التخلص منه
لما رأى الكهنة تأثير عيسى عليه السلام على الناس، قرروا التخلص منه. فأوحى الله إلى عيسى أن بني إسرائيل يخططون للتخلص منه. وعندما اجتمعوا على ذلك، رفع الله عيسى إلى السماء وألقى شبهه على رجل آخر، فظنوا أنهم قبضوا على عيسى وقاموا بصلبه، ولكن الحقيقة أن الله أنقذ نبيه.
ذكر القرآن الكريم هذه القصة في قوله تعالى: “وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ”، وهذا دليل على أن عيسى عليه السلام لم يمت بل رفعه الله إليه، وأنه سيعود في آخر الزمان.
عيسى عليه السلام في الإسلام
يعتبر الإسلام عيسى عليه السلام نبيًا عظيمًا ورسولًا من أولي العزم من الرسل. وهو ليس ابنًا لله كما يعتقد البعض، بل هو عبد الله ورسوله. وقد أكد الإسلام على براءة مريم العذراء وكرامتها، وعلى أن عيسى جاء بالحق والدعوة إلى التوحيد.
سيعود عيسى عليه السلام في آخر الزمان ليحكم بالعدل وينشر السلام، ويكسر الصليب ويقتل الدجال. وسيكون عهده عهد خير وبركة، حيث يسود الإيمان وتتحقق العدالة.
الدروس المستفادة من قصة النبي عيسى
التوكل على الله: قصة مريم وعيسى تعلمنا أهمية الثقة في الله والاعتماد عليه في الأوقات الصعبة.
التوحيد والإخلاص: رسالة عيسى كانت تذكيرًا بعبادة الله وحده دون شريك.
الصبر على الأذى: عيسى واجه كثيرًا من العداء والافتراء، لكنه صبر وتحمل من أجل رسالته.
القوة في الحق: عيسى واجه الظلم والفساد بشجاعة وإيمان، وهذا يعلمنا أهمية الثبات على المبادئ.
الخاتمة
هذه القصة تُظهر لنا كيف أن الإيمان والصبر يمكن أن يقودا إلى النصر، وكيف أن الله ينصر عباده المؤمنين مهما اشتدت المحن.
تعليقات
إرسال تعليق